الأربعاء، أكتوبر 29، 2008

مراتب

للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب هي:

1 ـ بالقلب: وهي أضعف المراحل، لأنه لا ينفك كثيراً على العمل أو يواج الانحراف برد فعل أي برادع.

2 ـ باللسان: وهو القول للمخالف ومحاولة إرشاده وردعه عن منكره أو تركه للمعروف.

3 ـ باليد: بمعنى المنع من ارتكابه للمخالفة، والظاهر هذا يحضر بالقوة البدنية ونحوها بل كل قوة عملية تصدق الانحراف، كما لو أراد شخص قتل إنسان وأمكن منعه بالتوسل بالأسباب والموانع المختلفة وإن تعذرت يمكن منعه بالقوة أيضاً.

والمرحلة الثانية والثالثة إنما تجب إذا أمن الإنسان من الضرر، لكن إذا لم يؤمن من الرر يجب عليه أن يراعي الأهم.

فإن كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أهم من الضرر الذي يترتب على الإنسان وجب، كما قام الإمام الحسين(ع) بوجه الطاغية يزيد: (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر).

وهذا يكون عادة حينما يتوجه خطر على الإسلام من الطغاة وخاصة المتسترين تحت اسم الإسلام كيزيد وأمثاله.

ولذا نرى أن جميع الأئمة ـ إلى الإمام الحادي عشر(ع) ـ قد قتلوا بالسيف أو السم، ليس ذلك إلا لقيامهم بمهامهم التي أوكلها الله تعالى إليهم ـ رغم اختلاف ظروفم وما يستتبع ذلك من تنوع الأساليب ـ لكنهم لم ينسوا مهمتهم الأساسية فأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وعارضوا حتى ضاق الطغاة بهم ذرعاً، فعرضوهم إلى القتل والسجن والتعذيب

الفرق بين الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الفرق بين الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
________________________________________


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن كثيراً من المفسرين خاصة القدماء منهم لم يفرقوا بين مسألة الدعوة ومسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتوهموا أن المسألتين مسألة واحدة يدرك ذلك من يراجع تفسير الآية الكريمة ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) .

فعلى سبيل المثال نذكر قول ابن كثير القرشي في تفسير الآية نجده يقول:«والمقصود في هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من أفراد الأمة بحسبه كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ومن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان، وفي رواية وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» انتهى.

وبعدها ساق ابن كثير روايات كلها تتعلق بمسألة الأمر بالمعروف النهي عن المنكر.

واستشهاده بروايات تتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على تفسير آية تشمل الدعوة أيضاً دليل على عدم تفريقه بين المسألتين. لذلك أضربت فتواه بين الوجوب الكفائي الظاهر من الآية وبين الوجوب العيني الظاهر من الروايات.

والحق أن الروايات مدارها حول الأمر بالمعروف وليس الدعوة.

وكذلك ما ذكره جلال الدين السيوطي في )الدر المنثور( لم يخرج عما ذكره ابن كثير وتابعهما على ذلك عدد كبير من المفسرين.

لكن الواقع الذي لا ريب فيه أن ثمة فارق كبير بين مسألة الدعوة، ومسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأهم هذه الفوارق:

1 ـ اختلافهما في الآية الشريفة:

جاء في الآية ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر..) .

فإن الوصل بين جملة ( يدعون إلى الخير) وجملة يأمرون بالمعروف) بحرف العطف (واو) يدل على تباعد معنى الجملتين وإن كان الفاعل لهما واحد وهذا التباعد بين معنيي الجملتين يظهر الفارق بين الموضوعين، موضوع الدعوة وموضوع الأمر بالمعروف.

ولو كان كل منهما بمعنى الآخر وبينهما وحدة موضوع ما عطفت الثانية على الأولى لأن العطف يشير إلى اختلاف المعطوفات، وتكون الجملة على الشكل التالي (أمة يدعون إلى الخير يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، بدون حرف العطف (الواو) وتكون جملة (يأمرون) حينئذٍ بدلاً للجملة قبلها ولكن العطف أكد اختلاف الموضوعين.

2) الاختلاف في المعنى:

فالدعوة إلى الخير الذي هو الإسلام تعني طلب الدخول في هذا الخير بكل جزئياته سواء كانت عقائدية أو تشريعية.

أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عنوانهما يتعلق بالأعمال وهي جزء من الإسلام، كالفواحش والكبائر والصغائر التي أمر الله بتركها وكالصلاة والصوم وصلة الرحم والبر وعمل الخير وغيرهما مما أمر الله بإتيانها.

3) الاختلاف في الترتيب الطبيعي:

فالدعوة – إلى الإسلام – بحسب الترتيب الطبيعي (المنطقي) مقدمة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فبعد دعوة الناس للإسلام ودخولهم فيه تأتي مرحلة التبليغ – كما ذكرت سابقاً – فيصل المسلمون حينئذٍ شرائع الإسلام وتعاليمه. فيتعلم المسلم ما عليه فعله، وما عليه تركه، فإن فعل ما أمر بتركه، أو ترك ما أمر بفعله حينئذٍ يأتي دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

4) اختلافهما في ميدان التطبيق:

دائرة الدعوة وميدان العمل فيها أوسع من ميدان الأمر بالمعروف لأن الدعوة ميدانه المجتمعات الإسلامية والمجتمعات غير الإسلامية. وأما الأمر بالمعروف فميدانه المجتمع الإسلامي فقط.

مثال على ذلك:

لو رأينا شخصاً مسيحياً أو يهودياً أو ينتمي إلى دين يبيح شرب الخمر رأيناه يشرب خمراً فإنه لا يحق للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يأمره أو ينهاه.

ولكنه إذا رأى مسلماً يشرب الخمر فعليه أمره ونهيه إذا كان من الآمرين بالمعروف قس على ذلك.

5) الاختلاف في كيفية الأداء:

الدعوة تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال الحسن، والحوار الهادف ولا سبيل للداعية بعدها على المدعو.

أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيكون باليد (القوة) إذا كان للآمر سلطان أو اللسان أو الهجران عن الشخص المرتكب للمنكر.

ويكفي الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون عارفاً بالمعروف والمنكر أما الداعية فيلزمه معارف عديدة وقدرات خاصة.

هذه هي أهم الفوارق بين الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

لماذا تتعب نفسك

لدي سؤال هام جدا وهو: لدي أحد الأصحاب عند الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يقول:أنت لماذا تتعب نفسك، الناس لا ينصلحون، و سبب قوله لهذا الكلام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خيركم قرني ثم الذي يليه ثم الذي يليه)،
وهو يرى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا ينفع مع الناس المعاصرين؛ إستناداً للحديث السابق، وسؤالي كيف أرد
على هذا الصديق ؟ و شكراً


الجواب الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: أخي الكريم: لفظ الحديث الذي احتج به صاحبك هو: ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته)، أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً، وفي رواية: (خيركم قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون بعدهم قوم يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السِّمن)، أخرجه البخاري ومسلم من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه. واعلم أن صاحبك قد جادل بالباطل، ولو بحث عن الحق لوجده، حيث فهم الحديث على غير معناه، وأرى عدم الاستمرار في مجالسته ومجادلته، وإنما الاكتفاء بنصحه مباشرة أو برسالة، وليس في الحديث ما يدل على ما ذكر، والواقع يخالف ما فهمه، والتاريخ شاهد على ذلك، وواجبنا أن نقوم بما أوجب الله علينا من الدعوة إلى الله، ولسنا مكلفين بأن يستجيب الناس لنا، قال الله سبحانه: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف: من الآية29)، وقال سبحانه: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحجر:94)، إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على أن علينا البلاغ، أما الهداية فبيد الله عزوجل، قال سبحانه: (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) (الرعد: من الآية40). وفقك الله وسددك.

مسائل متفرقة فى الأمر بالمعروف


مسألة: الجزء الأول

قال القاضي وغيره : ويجب أن يبدأ وقال بعضهم ويبدأ في إنكاره بالأسهل , ويعمل بظنه في ذلك , فإن لم يزل المنكر الواجب زاد بقدر الحاجة , فإن لم ينفع أغلظ فيه , فإن زال وإلا رفعه إلى ولي الأمر ابتداء إن أمن حيفه فيه , لكن يكره .

وسيأتي كلامه في نهاية المبتدئين من قدر على إنهاء المنكر إلى السلطان أنهاه , وإن خاف فوته قبل إنهائه أنكره هو , وتقدمت رواية أبي طالب : ويحرم أخذ مال على حد أو منكر ارتكب . ونقل الشيخ تقي الدين فيه الإجماع أن تعطيل الحد بمال يؤخذ أو غيره لا يجوز , ولأنه مال سحت خبيث .

وظاهر قوله جواز المعاقبة بالمال مع إقامة الحد , وشروط رفعه إلى ولي الأمر أن يأمن من حيفه فيه ويكون قصده في ذلك النصح لا الغلبة .

وقال في نهاية المبتدئين : يفعل فيه ما يجب أو يستحب لا غير قال وقيل لا يجوز رفعه إلى السلطان يظن عادة أنه لا يقوم به أو يقوم به على غير الوجه المأمور , كذا قال وليس المذهب خلاف هذا القول . [ ص: 194 ]

قال ويخير في رفع منكر غير متعين عليه ونص أحمد في رواية الجماعة على أنه لا يرفعه إلى السلطان إن تعدى فيه , ذكره ابن عقيل وغيره قال : قال أحمد إن علمت أنه يقيم الحد فارفعه .

قال الخلال : أخبرني محمد بن أشرس قال مر بنا سكران فشتم ربه فبعثنا إلى أبي عبد الله رسولا وكان مختفيا فقلنا أيش السبيل في هذا ؟ سمعناه يشتم ربه أترى أن نرفعه إلى السلطان ؟ فبعث إلينا إن أخذه السلطان أخاف أن لا يقيم عليه الذي ينبغي ولكن أخيفوه حتى يكون منكم شبيها بالهارب , فأخفناه فهرب .

وقال محمد بن الكحال : أذهب إلى السلطان قال لا إنما يكفيك أن تنهاه وقال ليعقوب انههم واجمع عليهم قلت السلطان قال لا .

ونقل أبو الحارث يعظهم وينهاهم قلت قد فعل فلم ينتهوا قال يستعين عليهم بالجيران , فأما السلطان فلا , إذا رفعهم إلى السلطان خرج الأمر من يده أما علمت قصة عقبة بن عامر , ونقل هذا المعنى جماعة ونقل مثنى في أخوين يحيف أحدهما على أخيه هل تجوز قطيعته أم يرفق به وينصح قال إذا أمره ونهاه فليس عليه أكثر من هذا وستأتي رواية حنبل .

فإن انتهى وإلا أنه أمره إلى السلطان حتى يمنعه من ذلك قال المروذي : وشكوت إلى أبي عبد الله جارا لنا يؤذينا بالمنكر قال تأمره بينك وبينه قلت قد تقدمت إليه مرارا فكأنه يمحل , فقال أي شيء عليك إنما هو على نفسه أنكر بقلبك ودعه قلت لأبي عبد الله فيستعان بالسلطان عليه قال لا ربما أخذ منه الشيء ويترك وقال مثنى الأنباري قلت لأبي عبد الله : ما تقول إذا ضرب رجل رجلا بحضرتي أو شتمه , فأرادني أن أشهد له عند السلطان قال : إن خاف أن يتعدى عليه لم يشهد وإن لم يخف شهد .

والذي يتحصل من كلام الإمام أحمد أنه هل يجب رفعه إلى السلطان بعلمه أنه يقيمه على الوجه المأمور أم لا ؟ فيه روايتان فإن لم يجب فهل يلزمه أن يستعين في ذلك بالجميع عليه بالجيران أو غيرهم أم لا ؟ فيه روايتان . [ ص: 195 ]

ورواية أبي طالب يكره ويسقط وجوب الرفع بخوفه أن لا يقيمه على الوجه المأمور على نص أحمد , وظاهره أيضا لا يجوز لعلمه عادة أنه لا يقيمه على الوجه المأمور , فظاهر كلام جماعة جوازه , وأطلق بعضهم رفعه إلى ولي الأمر بلا تفصيل والله أعلم , لكن قد قال الأصحاب من عنده شهادة بحد يستحب أن لا يقيمها .

ولعل كلام الإمام أحمد في الأمر برفعه على الاستحباب وعلى كل تقدير فهو مخالف لكلام الأصحاب إلا أن يتأول على جواز الرفع وهو تأويل بعيد من هذا الكلام , ولعله أمر بعد حظر فيكون للإباحة , فيكون رفعه لأجل الحد مباح ورفعه لأجل إنكار المنكر واجب أو مستحب والله سبحانه وتعالى أعلم .
مسألة: الجزء الأول

[ ص: 191 ] فصل ( ما ينبغي أن يتصف به الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ) .

وينبغي أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر متواضعا , رفيقا فيما يدعو إليه شفيقا رحيما غير فظ ولا غليظ القلب , ولا متعنتا , حرا ويتوجه أن العبد مثله وإن كان الحر أكمل , عدلا فقيها , عالما بالمأمورات والمنهيات شرعا , دينا نزها , عفيفا ذا رأي وصرامة وشدة في الدين , قاصدا بذلك وجه الله عز جل , وإقامة دينه , ونصرة شرعه , وامتثال أمره , وإحياء سننه , بلا رياء ولا منافقة ولا مداهنة غير متنافس ولا متفاخر , ولا ممن يخالف قوله فعله , ويسن له العمل بالنوافل والمندوبات والرفق , وطلاقة الوجه وحسن الخلق عند إنكاره , والتثبيت والمسامحة بالهفوة عند أول مرة .

قال حنبل إنه سمع أبا عبد الله يقول والناس يحتاجون إلى مداراة ورفق , الأمر بالمعروف بلا غلظة إلا رجل معلن بالفسق فقد وجب عليك نهيه وإعلامه لأنه يقال ليس لفاسق حرمة فهؤلاء لا حرمة لهم . وسأله مهنا هل يستقيم أن يكون ضربا باليد إذا أمر بالمعروف قال الرفق . ونقل يعقوب أنه سئل عن الأمر بالمعروف قال كان أصحاب عبد الله بن مسعود يقولون مهلا رحمكم الله . ونقل مهنا ينبغي أن يأمر بالرفق والخضوع قلت كيف قال إن أسمعوه ما يكره لا يغضب فيريد أن ينتصر لنفسه . وسأله أبو طالب إذا أمرته بمعروف فلم ينته قال دعه إن زدت عليه ذهب الأمر بالمعروف وصرت منتصرا لنفسك فتخرج إلى الإثم , فإذا أمرت بالمعروف فإن قبل منك وإلا فدعه .

وقال أبو بكر الخلال أخبرني الميموني حدثنا ابن حنبل [ ص: 192 ] حدثنا معمر بن سليمان عن فرات بن سلمان عن ميمون بن مهران أن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز قال له يا أبت ما يمنعك أن تمضي لما تريده من العدل فوالله ما كنت أبالي لو غلت بي وبك القدور في ذلك قال يا بني إني إنما أروض الناس رياضة الصعب , إني أريد أن أحيي الأمر من العدل فأؤخر ذلك حتى أخرج منه طمعا من طمع الدنيا فينفروا من هذه ويسكنوا لهذه .

وأخبرني محمد بن أبي هارون سمعت أبا العباس قال صلى بأبي عبد الله يوما جوين فكان إذا سجد جمع ثوبه بيده اليسرى وكنت بجنبه فلما صلينا قال لي وقد خفض من صوته قال النبي صلى الله عليه وسلم { إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يكف شعرا ولا ثوبا } فلما قمنا قال لي جوين أي شيء كان يقول لك قلت قال لي كذا وكذا وما أحسب المعنى إلا لك .

وروى الخلال قيل لإبراهيم بن أدهم الرجل يرى من الرجل الشيء ويبلغه عنه أيقول له ؟ قال هذا تبكيت ولكن تعريض وقد روى أبو محمد الخلال عن أسامة بن زيد مرفوعا { لا ينبغي لأحد أن يأمر بالمعروف حتى يكون فيه ثلاث خصال عالما بما يأمر , عالما بما ينهى , رفيقا فيما يأمر , رفيقا فيما ينهى } .

وعن أسامة مرفوعا { يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان مالك ؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه , وأنهى عن المنكر وآتيه } . رواه أحمد والبخاري ومسلم وزاد وسمعته يقول { مررت ليلة أسري بي بأقوام تقرض شفاههم بمقاريض من نار قلت من هؤلاء يا جبريل قال خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون } وهذه الزيادة لأحمد من حديث أنس وفيه قال { خطباء من أهل الدنيا ممن كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون }

الاندلاق الخروج , والأقتاب الأمعاء . .

وعن أنس قال { قيل يا رسول الله متى يترك الأمر بالمعروف والنهي [ ص: 193 ] عن المنكر قال إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم قلنا وما ظهر في الأمم قبلنا قال الملك في صغاركم والفاحشة في كباركم والعلم في رذالتكم } قال زيد تفسيره إذا كان العلم في الفاسق رواه أحمد وابن ماجه .

قال ابن الجوزي من لم يقطع الطمع من الناس من شيئين لم يقدر على الإنكار ( أحدهما ) من لطف ينالونه به ( والثاني ) عن رضاهم عنه وثنائهم عليه قال الخلال أخبرني عمر بن صالح قال : قال لي أبو عبد الله يا أبا حفص يأتي على الناس زمان المؤمن بينهم مثل الجيفة , ويكون المنافق يشار إليه بالأصابع , فقلت وكيف يشار إلى المنافق بالأصابع ؟ قال صيروا أمر الله عز وجل فضولا قال المؤمن إذا رأى أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر لم يصبر حتى يأمر وينهى . يعني قالوا هذا فضول , قال والمنافق كل شيء يراه قال بيده على أنفه فيقال نعم الرجل ليس بينه وبين الفضول عمل , وسمعت أحمد بن حنبل يقول إذا رأيتم اليوم شيئا مستويا فتعجبوا .

مسألة: الجزء الأول

وله كسر آلة اللهو وصور الخيال ودف الصنوج وشق وعاء الخمر وكسر دنه إن تعذر الإنكار بدونه , وقيل مطلقا , كذا في الرعاية , ونقل الأثرم وإبراهيم بن الحارث في زق الخمر : يحله فإن لم يقدر على حله يشقه . وظاهره أنه لا يجوز كسره على إراقته قاله القاضي وهذه اختياره ونقل المروزي في الرجل يرى مسكرا في قنينة أو قربة : يكسره , وظاهره جواز الكسر .

وأصح الروايتين عن الإمام أحمد إباحة إتلاف وعاء الخمر وعدم ضمانه مطلقا وذكره جماعة وعلى هذا لا ضمان وعلى الرواية الأخرى يضمن إن لم يتعذر . وذكر صاحب النظم : إنما يضمن إذا ما يطهر بغسله فقط كذا قال , ويقبل قول المنكر في التعذر لتيقن المنكر والشك في موجب التضمين .

والأولى أن يقال إن كان ثم قرينة وظاهر حال عمل بها , وإلا احتمل ما قال واحتمل الضمان للشك في وجود السبب المسقط للضمان والأصل عدمه قال المروذي : وسألت أبا عبد الله قلت أمر في السوق فأرى الطبول تباع أكسرها ؟ قال : ما أراك تقوى إن قويت يا أبا بكر قلت : أدعى أغسل [ ص: 196 ] الميت فأسمع صوت الطبل قال إن قدرت على كسره وإلا فاخرج . سألت أبا عبد الله عن كسر الطنبور قال : تكسر وقال ابن هانئ لأحمد والدف الذي يلعب الصبيان به قال : يروى عن أصحاب عبد الله أنهم كانوا يتبعون الأزقة يخرجون الدفوف .

قال في الرعاية : وكذا كسر آلة التنجيم والسحر والتعزيم والطلسمات وتمزيق كتب ذلك ونحوه يعني إن له إتلاف ذلك مطلقا , ومراده ومراد غيره في هذا ومثله أنه يجب إتلافه لأنه منكر .

قال ابن حزم اتفقوا على أن رواية ما هجي به النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل وكذا كتابته وقراءته وتركه إن وجد لا يمحي أثره قال أبو الحسن لا تختلف الرواية إذا كسر عودا أو مزمارا أو طبلا لم يضمن قيمته لصاحبه واختلفت الرواية في كسر الدف هل عليه الضمان على روايتين . ويحرم التكسب بذلك ونحوه ويؤدب الآخذ والمعطي والإعطاء عليه وتعلمه وتعليمه ولو بلا عوض والعمل به .

قال الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى : وآلات اللهو لا يجوز اتخاذها ولا الاستئجار عليها عند الأئمة الأربعة انتهى كلامه .

نقل مهنا في رجل دخل منزل رجل فرأى قنينة فيها نبيذ ينبغي أن يلقي فيها ملحا أو شيئا يفسده قال القاضي : وهذا صحيح لأن بالإفساد قد زال المنكر .

قال صاحب النظم ويؤخذ من كلام غيره : والبيض والجوز للقمار يتلف منه بحيث لا ينفعه في قماره عادة , فإن زاد ضمنه .

وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
دار الوطن




الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن من أهم المهمات وأفضل القربات التناصح والتوجيه إلى الخير والتواصي بالحق والصبر عليه، والتحذير مما يخالفه ويغضب الله عز وجل، ويباعد من رحمته، وأسأله عز وجل أن يصلح قلوبنا وأعمالنا وسائر المسلمين، وأن يمنحنا الفقه في دينه، والثبات عليه، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح جميع ولاة أمور المسلمين، ويوفقهم لكل خير، ويصلح لهم البطانة، ويعينهم على كل ما فيه صلاح العباد والبلاد، ويمنحهم الفقه في الدين، ويشرح صدورهم لتحكيم شريعته، والاستقامة عليها إنه ولي ذلك، والقادر عليه.
أيها المسلمون:
إن موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موضوع عظيم، جدير بالعناية؛ لأن في تحقيقه مصلحة الأمة ونجاتها، وفي إهماله الخطر العظيم والفساد الكبير، واختفاء الفضائل، وظهور الرذائل.
وقد أوضح الله جل وعلا في كتابه العظيم منزلته في الإسلام، وبيّن سبحانه أن منزلته عظيمة، حتى إنه سبحانه في بعض الآيات قدمه على الإيمان، الذي هو أصل الدين وأساس الإسلام، كما في قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].
ولا نعلم السر في هذا التقديم، إلا عظم شأن هذا الواجب، وما يترتب عليه من المصالح العظيمة العامة، ولا سيما في هذا العصر، فإن حاجة المسلمين وضرورتهم إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شديدة؛ لظهور المعاصي، وانتشار الشرك والبدع في غالب المعمورة.
وقد كان المسلمون في عهده وعهد أصحابه وفي عهد السلف الصالح يعظمون هذا الواجب، ويقومون به خير قيام، فالضرورة إليه بعد ذلك أشد وأعظم، لكثرة الجهل وقلة العلم وغفلة الكثير من الناس عن هذا الواجب العظيم.
وفي عصرنا هذا صار الأمر أشد، والخطر أعظم، لانتشار الشرور والفساد، وكثرة دعاة الباطل، وقلة دعاة الخير في غالب البلاد كما تقدم.
ومن أجل هذا أمر الله سبحانه وتعالى به، ورغب فيه، وقدّمه في آية آل عمران على الإيمان، وهي قوله سبحانه وتعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110].
يعني أمة محمد عليه الصلاة والسلام، فهي خير الأمم وأفضلها عند الله، كما في الحديث الصحيح، عن النبي أنه قال: { أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل }.
لماذا بعث الله الرسل؟
والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر موجود في الأمم السابقة، بعث الله به الرسل، وأنزل به الكتب.
وأصل المعروف توحيد الله، والإخلاص له.
وأصل المنكر الشرك بالله، وعبادة غيره.
وجميع الرسل بعثوا يدعون الناس إلى توحيد الله، الذي هو أعظم المعروف، وينهون الناس عن الشرك بالله، الذي هو أعظم المنكر.
ولما فرط بنوا إسرائيل في ذلك وأضاعوه، قال الله جل وعلا في حقهم: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [المائدة:78].
ثم فسر هذا العصيان فقال سبحانه: كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:79].
فجعل هذا من أكبر عصيانهم واعتدائهم، وجعله التفسير لهذه الآية ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ [المائدة:78-79]. وما ذلك إلا لعظم الخطر في ترك هذا الواجب.
وأثنى الله جل وعلا على أمة منهم في ذلك فقال سبحانه في سورة آل عمران: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ [آل عمران:113-115].
هذه طائفة من أهل الكتاب لم يصبها ما أصاب الذين ضيعوه، فأثنى الله عليهم سبحانه وتعالى في ذلك.
وفي آية أخرى من كتاب الله عز وجل في سورة التوبة قدم سبحانه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وما ذلك إلا لعظم شأنه.
لأي معنى قدم الواجب؟
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، ومع ذلك قدمه في هذه الآية على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فقال سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71].
فقدم هنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على إقام الصلاة، مع أن الصلاة عمود الإسلام، وهي أعظم الأركان بعد الشهادتين، فلأي معنى قدم هذا الواجب؟
لا شك أنه قُدم لعظم الحاجة إليه وشدة الضرورة إلى القيام به.
ولأن بتحقيقه تصلح الأمة، ويكثر فيها الخير وتظهر فيها الفضائل وتختفي منها الرذائل، ويتعاون أفرادها على الخير، ويتناصحون ويجاهدون في سبيل الله، ويأتون كل خير ويذرون كل شر.
وبإضاعته والغفلة عنه تكون الكوارث العظيمة، والشرور الكثيرة، وتفترق الأمة، وتقسوا القلوب أو تموت، وتظهر الرذائل وتنتشر، وتختفي الفضائل ويهضم الحق، ويظهر صوت الباطل، وهذا أمر واقع في كل مكان وكل دولة وكل بلد وكل قرية لا يؤمر فيها بالمعروف ولا ينهى فيها عن المنكر، فإنه تنتشر فيها الرذائل وتظهر فيها المنكرات ويسود فيها الفساد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أهل الرحمة:
وبين سبحانه أن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والمقيمين للصلاة والمؤتين للزكاة والمطيعين لله ولرسوله هم أهل الرحمة، فقال سبحانه وتعالى: أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ [التوبة:71].
فدل ذلك على أن الرحمة، إنما تنال بطاعة الله واتباع شريعته، ومن أخص ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولا تنال الرحمة بالأماني ولا بالأنساب؛ ككونه من قريش أو من بني هاشم أو من بني فلان.
ولا بالوظائف، ككونه ملكا، أو رئيس جمهورية، أو وزيرا أو غير ذلك من الوظائف، ولا تنال أيضاً بالأموال والتجارات، ولا بوجود كثرة المصانع، ولا بغير هذا من شئون الناس.
وإنما تنال الرحمة بطاعة الله ورسوله، واتباع شريعته.
ومن أعظم ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الله ورسوله في كل شيء، فهؤلاء هم أهل الرحمة، وهم الذين في الحقيقة يرجون رحمة الله، وهم الذين في الحقيقة يخافون الله ويعظمونه، فما أظلم من أضاع أمره وارتكب نهيه، وإن زعم أنه يخافه ويرجوه.
وإنما الذي يعظم الله حقا، ويخافه ويرجوه حقا، من أقام أمره واتبع شريعته، وجاهد في سبيله، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر.
قال سبحانه في سورة البقرة: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ [البقرة:218].
فجعلهم سبحانه راجين رحمة الله، لما آمنوا وجاهدوا وهاجروا لإيمانهم وهجرتهم وجهادهم، ما قال:
إن الذين بنو القصور.
أو الذين عظمت تجاراتهم.
أو تنوعت أعمالهم.
أو الذين ارتفعت أنسابهم هم الذين يرجون رحمة الله.
بل قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:218].
فرجاء الرحمة وخوف العذاب، يكونان بطاعة الله ورسوله، ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولتكن منكم أمة:
وفي آية أخرى حصر سبحانه الفلاح في الدعاة إلى الخير، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فقال عز وجل: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104].
فأبان سبحانه أن هؤلاء الذين هذه صفاتهم وهي:
الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - هم المفلحون، والمعنى أنهم هم المفلحون على الكمال والتمام، وإن كان غيرهم من المؤمنين مفلحا، إذا تخلى عن بعض هذه الصفات لعذر شرعي، لكن المفلحون على الكمال والتمام هم هؤلاء الذين دعوا إلى الخير، وأمروا بالمعروف وبادروا إليه، ونهوا عن المنكر وابتعدوا عنه.
أما الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لأغراض أخرى: كرياء وسمعة، أو حظ عاجل أو أسباب أخرى، أو يتخلفون عن فعل المعروف، ويرتكبون المنكر، فهؤلاء من أخبث الناس، ومن أسوئهم عاقبة.
وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد عن النبي أنه قال: { يؤتي بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه - أي أمعاؤه - فيدور في النار كما يدور الحمار بالرحى فيجتمع عليه أهل النار فيقولون مالك يا فلان؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ قال فيقول لهم بلى ولكني كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه!! }.
هذه حال من خالف قوله فعله - نعوذ بالله - تسعر به النار، ويفضح على رؤوس الأشهاد، يتفرج عليه أهل النار، ويتعجبون كيف يلقى في النار. هذا ويدور في النار كما يدور الحمار بالرحى، وتندلق أقتاب بطنه، يسحبها، لماذا؟!
لأنه كان يأمر بالمعروف ولا يأتيه، وينهى عن المنكر ويأتيه.
فعلم بذلك أن المقصود الأمر بالمعروف مع فعله، والنهي عن المنكر مع تركه. وهذا هو الواجب على كل مسلم، وهذا الواجب العظيم أوضح الله شأنه في كتابه الكريم، ورغب فيه، وحذر من تركه، ولعن من تركه.
فالواجب على أهل الإسلام أن يعظموه، وأن يبادروا إليه، وأن يلتزموا به طاعة لربهم عز وجل، وامتثالاً لأمره، وحذراً من عقابه سبحانه وتعالى.
مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وقد جاءت سنة رسول الله تؤيد هذا الأمر، وتبين ذلك أعظم بيان وتشرحه، فيقول المصطفى عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: { من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان } [خرجه الإمام مسلم في صحيحه].
فبين مراتب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر الثلاث:
المرتبة الأولى:
الإنكار باليد مع القدرة، وذلك بإراقة أواني الخمر، وكسر آلات اللهو، ومنع من أراد الشر بالناس وظلمهم من تنفيذ مراده إن استطاع ذلك كالسلطان ونحوه من أهل القدرة، وكإلزام الناس بالصلاة، وبحكم الله الواجب اتباعه ممن يقدر على ذلك، إلى غير هذا مما أوجب الله.
وهكذا المؤمن مع أهله وولده، يلزمهم بأمر الله ويمنعهم مما حرم الله باليد إذا لم ينفع فيهم الكلام.
وهكذا من له ولاية من أمر أو محتسب، أو شيخ قبيلة أو غيرهم ممن له ولاية من جهة ولي الأمر، أو من جهة جماعته، حيث ولوه عليهم، عند فقد الولاية العامة يقوم بهذا الواجب حسب طاقته، فإن عجز انتقل إلى:
المرتبة الثانية:
وهي اللسان، يأمرهم باللسان وينهاهم كأن يقول: يا قوم اتقوا الله، يا إخواني اتقوا الله، صلوا وأدوا الزكاة، اتركوا هذا المنكر، افعلوا كذا، دعوا ما حرم الله، بروا والديكم، صلوا أرحامكم، إلى غير هذا، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر باللسان، ويعظهم ويذكرهم، ويتحرى الأشياء التي يفعلونها، حتى ينبههم عليها.
ويعاملهم بالأسلوب الحسن، مع الرفق، يقول عليه الصلاة والسلام: { إن الله يحب الرفق في الأمر كله }، ويقول : { إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه }.
وجاء جماعة من اليهود، فدخلوا عليه فقالوا: ( السام عليك يا محمد )، يعنون الموت، وليس مرادهم السلام. فسمعتهم عائشة رضي الله عنها، فقالت: ( عليكم السام واللعنة ). وفي لفظ آخر: ( ولعنكم الله، وغضب عليكم )، فقال : { مهلاً يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله } قالت: ( ألم تسمع ما قالوا؟ ) قال: { ألم تسمعي ما قلت لهم؟ قلت لهم وعليكم فإنه يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا }.
هذا وهم يهود رفق بهم ، لعلهم يهتدون، ولعلهم ينقادون للحق، ولعلهم يستجيبون لداعي الإيمان.
فهكذا الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الموفق، يتحرى الرفق والعبارات المناسبة، والألفاظ الطيبة عندما يمر على من قصر في ذلك، في المجلس أو في الطريق أو في أي مكان يدعوهم بالرفق والكلام الطيب، حتى ولو جادلوه في شيء خفي عليهم، أو كابروا فيه يجادلهم بالتي هي أحسن، كما قال سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]. وقال سبحانه: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46].
من هم أهل الكتاب؟. هم اليهود والنصارى، وهم كفار، ومع ذلك يقول الله عنهم: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46].
والمعنى أن من ظلم منهم وتعدى وأساء الكلام فإنه ينتقل معه إلى علاج آخر غير الجدال بالتي هي أحسن، كما قال تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40].
وقال سبحانه: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة:194].
لكن ما دام المقام مقام تعليم ودعوة وإيضاح للحق، فإنه يكون بالتي هي أحسن لأن هذا أقرب إلى الخير، قال سفيان الثوري رحمه الله: ( ينبغي للآمر والناهي أن يكون رفيقا فيما يأمر به، رفيقاً فيما ينهى عنه، عدلا فيما يأمر به، عدلاً فيما ينهي عنه، عالماً بما يأمر به، عالماً بما ينهى عنه ).
وهذا معنى كلام السلف رحمهم الله، تحري الرفق مع العلم والحلم والبصيرة، لا يأمر ولا ينهى إلا عن علم، لا عن جهل. ويكون مع ذلك رفيقاً عاملاً بما يدعوه إليه تاركاً ما ينهى عنه، حتى يقتدى به.
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود عن النبي أنه قال: { ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل }.
وهذا الحديث مثل حديث أبي سعيد السابق المتضمن الإنكار باليد، ثم اللسان ثم القلب.
فالخلوف التي تخلف بعد الأنبياء هذا حكمهم في أممهم، فيؤمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويعلمون أحكام الله، ويجاهدون في ذلك باليد ثم اللسان ثم القلب.
وهكذا في أمة محمد يجب على علمائهم وأمرائهم وأعيانهم وفقهائهم أن يتعهدوهم بالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الجاهل، وإرشاد الضال، وإقامة الحدود والتعزيرات الشرعية، حتى يستقيم الناس، ويلزموا الحق، ويقيموا عليهم الحدود الشرعية، ويمنعوهم من ارتكاب ما حرم الله حتى لا يتعدى بعضهم على بعض، أو ينتهكوا محارم الله.
وقد ثبت عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، الخليفة الراشد أنه قال: ( إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ) ويروى عن عمر أيضاً.
وهذا صحيح، كثير من الناس لو جئته بكل آية، لم يمتثل، لكن إذا جاءه وازع السلطان بالضرب والسجن ونحو ذلك أذعن، وترك باطلة.. لماذا؟!
لأن قلبه مريض، ولأنه ضعيف الإيمان أو معدوم الإيمان.. فلهذا لا يتأثر بالآيات والأحاديث.. لكن إذا خاف من السلطان ارتدع ووقف عند حده، ووازع السلطان له شأن عظيم.
ولهذا شرع الله لعباده القصاص والحدود والتعزيرات لأنها تردع عن الباطل، وأنواع الظلم، ولأن الله يقيم بها الحق، فوجب على ولاة الأمور أن يقيموها، وأن يعينوا من يقيمها، وأن يلاحظوا الناس، ويلزموهم بالحق، ويوقفوهم عند حدهم حتى لا يهلكوا، وينقادوا مع تيار الباطل، ويكونوا عوناً للشيطان وجنده علينا.
المرتبة الثالثة:
إذا عجز المؤمن عن الإنكار باليد واللسان انتهي إلى القلب، يكره المنكر بقلبه، ويبغضه ولا يكون جليساً لأهله.
وروي عن عبدالله بن مسعود أنه قال له بعض الناس: ( هلكت أن لم آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر. فقال له رضي الله عنه: هلكت إن لم يعرف قلبك المعروف وينكر المنكر ).
رد الدعاء وعدم النصر:
ومما يتعلق بموضوعنا: موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ما ورد في الحديث أيضاً عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: { يقول الله عز وجل: مروا بالمعروف وأنهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أستجيب لكم وقبل أن تسألوني فلا أعطيكم وقبل أن تستنصروني فلا أنصركم }.
وفي لفظ آخر من حديث حذيفة يقول عليه الصلاة والسلام: { والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم } [رواه الإمام أحمد].
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المهمات العظيمة كما سبق، وفي حديث ابن مسعود عند أحمد وأبي داود والترمذي يقول عليه الصلاة والسلام: { لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم وآكلوهم وشاربوهم فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم ببعض ثم لعنهم على لسان أنبيائهم داود وعيسى بن مريم } ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [البقرة:61].
وفي لفظ آخر: { إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أن الرجل كان يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تفعل من المعاصي ثم يلقاه في الغد فلا يمنعه ما رآه منه أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعض ثم لعنهم }.
فعلينا أن نحذر من أن يصيبنا ما أصاب أولئك.
وقد جاء في بعض الأحاديث أن إهمال هذا الواجب وعدم العناية به - أعني واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - من أسباب رد الدعاء وعدم النصر كما تقدم.
ولا شك أن هذه مصيبة عظيمة، من عقوبات ترك هذا الواجب أن يخذل المسلمون وأن يتفرقوا وأن يسلط عليهم أعداؤهم، وأن لا يستجاب دعاؤهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وقد يكون هذا الواجب فرض عين على بعض الناس، إذا رأى المنكر، وليس عنده من يزيله غيره، فإنه يجب عليه أن يزيله مع القدرة، لما سبق من قوله : { من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان } [خرجه مسلم في الصحيح].
أما إن كانوا جماعة فإنه يكون في حقهم فرض كفاية في البلد أو القرية أو القبيلة، فمن أزاله منهم حصل به المقصود وفاز بالأجر.. وإن تركوه جميعا أثموا كسائر فروض الكفايات.
وإذا لم يكن في البلد أو القبيلة إلا عالم واحد وجب عليه عينا أن يعلم الناس، ويدعوهم إلى الله، ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر حسب طاقته، لما تقدم من الأحاديث، ولقوله سبحانه وتعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
الصبر والإحتساب:
ومن وفقه الله للصبر والاحتساب من العلماء والدعاة، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، والإخلاص لله، نجح ووفق وهدى ونفع الله به كما قال سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].
وقال تبارك وتعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4].
وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].
وقال تعالى: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرَ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر].
فالرابحون الناجون في الدنيا والآخرة هم أهل الإيمان والعمل الصالح، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
ومعلوم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق والتواصي بالصبر من جملة التقوى، ولكن الله سبحانه خصها بالذكر لمزيد من الإيضاح والترغيب.
والمقصود أن من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ودعا إلى الله وصبر على ذلك فهو من أهل هذه الصفات العظيمة، الفائزين بالربح الكامل والسعادة الأبدية، إذا مات على ذلك.
ومما يؤكد الالتزام بهذه الصفات العظيمة قوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2].
التفقه في دين الله:
فلابد يا أخي أن تعرف المعروف بالتعلم والتفقه في الدين، ولابد أن تعرف المنكر بذلك، ثم تقوم بالواجب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالتبصر والتفقه في الدين من علامات السعادة ودلائل أن الله أراد بالعبد خيراً، كما في الصحيحين عن معاوية عن النبي أنه قال: { من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين }.
فإذا رأيت الرجل يتبع حلقات العلم، ويسأل عن العلم، ويتفقه ويتبصر فيه، فذلك من علامات أن الله أراد به خيراً فليلزم ذلك، وليجتهد ولا يمل ولا يضعف، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: { من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة } [رواه الإمام مسلم في صحيحه].
فطلب العلم له شأن عظيم، ومن الجهاد في سبيل الله، ومن أسباب النجاة ومن الدلائل على الخير، ويكون بحضور حلقات العلم، ويكون بمراجعة الكتب المفيدة، إذا كان ممن يفهمها، ويكون بسماع الخطب والمواعظ، ويكون بسؤال أهل العلم.. كل ذلك من الطرق المفيدة.
ويكون أيضاً بحفظ القرآن الكريم، وهو الأصل في العلم، فالقرآن رأس كل علم، وهو الأساس العظيم، وهو حبل الله المتين، وهو أعظم كتاب وأشرف كتاب، وهو أعظم قائد إلى الخير، وأعظم ناه عن الشر.
فوصيتي لكل مؤمن ولكل مؤمنة العناية بالقرآن والإكثار من تلاوته والحرص على حفظه أو ما تيسر منه، مع التدبر والتعقل، ففيه الهدى والنور، كما قال سبحانه: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]. وقال عز من قائل: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [ص:29].
ويقول تبارك وتعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24].
فعلينا أن نعني بكتاب الله، تلاوة وحفظا، وتدبرا وتفقها، وعملا وسؤالا عما أشكل.
وهكذا سنة الرسول ، هي الوحي الثاني، وهي الأصل الثاني، وهي المفسرة لكتاب الله، والدالة عليه.
فعلى طالب العلم، وعلى كل مسلم أن يعني بذلك حسب طاقته، وحسب علمه بالحفظ والمراجعة، كحفظ الأربعين النووية وتكملتها لابن رجب خمسين حديثا، وهي من أجمع الأحاديث وأنفعها، وهي من جوامع الكلم، فينبغي حفظها للرجل والمرأة.
ومثل ذلك "عمدة الحديث" للحافظ عبد الغني المقدسي، كتاب عظيم جمع أربعمائة حديث وزيادة يسيرة من أصح الأحاديث في أبواب العلم.. فإذا تيسر حفظها فذلك من نعم الله العظيمة.
وهكذا "بلوغ المرام" للحافظ ابن حجر، كتاب عظيم مختصر، ومفيد محرر، فإذا تيسر لطالب العلم حفظه فذلك خير عظيم.
ومما يتعلق بكتب العقيدة: كتابان جليلان للشيخ الإمام محمد عبد الوهاب رحمه الله هما: "كتاب التوحيد"، وكتاب "كشف الشبهات".
ومن كتب العقيدة المهمة كتاب "العقيدة الواسطية" لشيخ الإسلام ابن تيمية فهو كتاب جليل مختصر عظيم الفائدة في مجمل عقيدة أهل السنة والجماعة.
وكتاب "الإيمان" لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب كتاب عظيم، جمع فيه جملة من الأحاديث المتعلقة بالإيمان، فينبغي لطالب العلم وطالبة العلم أن يحفظا ما تيسر من هذه الكتب المفيدة وأشباهها، مع العناية بالقرآن الكريم والإكثار من تلاوته وحفظه، أو ما تيسر منه كما تقدم، ومع العناية بالمذاكرة مع الزملاء وسؤال المدرسين والعلماء الذين يعتقد فيهم الخير والعلم عما أشكل عليه، ويسأل ربه التوفيق والإعانة، ولا يضعف ولا يكسل ويحفظ وقته ويجعله أجزاء:
جزء من يومه وليلته لتلاوة القرآن الكريم وتدبره.
وجزء لطلب العلم والتفقه في الدين وحفظ المتون ومراجعة ما أشكل عليه.
وجزء لحاجته مع أهله.
وجزء لصلاته وعبادته، وأنواع الذكر والدعاء.
ومما يفيد طالب العلم وطالبة العلم فائدة عظيمة الاستماع لبرنامج نور على الدرب، فهو برنامج مفيد لطالب العلم وعامة المسلمين وغيرهم؛ لأن فيه أسئلة وأجوبة مهمة لجماعة من المشايخ المعروفين بالخير والعلم، فينبغي العناية بهذا البرنامج، واستماع ما فيه من فائدة، وهو يذاع مرتين في كل ليلة، بين المغرب والعشاء من نداء الإسلام، والساعة التاسعة والنصف من إذاعة القرآن الكريم.
وأسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا أن يوفقنا وجميع المسلمين للعلم النافع، والعمل الصالح، وأن يمنحنا الفقه في دينه، والثبات عليه، وأن يرزقنا جميعا القيام بهذا الواجب حسب الطاقة والإمكان، وأن يوفق ولاة أمور المسلمين للقيام بهذا الواجب والصبر عليه، وأن يوفق من أسند إليه هذا الواجب أن يقوم به على خير ما يرام وأن يعين الجميع على أداء حقه والنصح له، ولعباده إنه تعالى جواد كريم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان