الاثنين، يوليو 13، 2009

سمات الرجولة فى الإسلام





بقلم: د. أحمد حسن





الرجولة ليست نوعًا، بل صفة تطلق على الرجل والمرأة متى تحققت شروطها؛ الفرق بين الرجل والذكر أنَّ كل رجل ذكر، وليس كل ذكر رجلاً.. فهناك ذكر للحشرات وذكر للحيوان.



ومعنى "ترجَّل فلان" أي سار على رجليه؛ اعتمادًا على نفسه، وليس على الدابة، قال تعالى: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً﴾ (الحج: من الآية 27)، ومنها: "الارتجال، ومعناه: الأداء بغير تحضير سابق؛ اعتمادًا على النفس.



ولقد وجدت حول كلمة "رجل" ومشتقاتها في القرآن:

1- أنه لا يوجد في القرآن الكريم تكرار.

2- كل ورود لهذا المصطلح القرآني يضيف معنًى جديدًا.



صفات الرجال

الصفة الأولى: مكانهم المفضل المساجد..

قال تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36)رِجَالٌ.. ﴾ (النور)، وكأني بالرجل هو ذلك المحافظ على الصلوات؛ حيث ينادي بهن في الجماعات في المساجد، بل دعني أصارحك- أخي الحبيب- أن هجر المساجد وترك الجماعات؛ لا يفقد المرء صفةً من صفات الرجولة فحسب، بل يُدخله في باب من أبواب النفاق، واسمع إلى ابن مسعود رضي الله عنه وهو يصف حال السلف: "ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها- يقصد الجماعة- إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادي الرجلين؛ حتى يقام في الصف" (رواه مسلم).



والمساجد التي يوجد فيها الرجال، وصفها رب الأرض والسماء فقال: ﴿لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ﴾ (التوبة: من الآية 108).



ومن الوضوح بمكان أن تلاحظ وصف هذه المساجد بأنها أُسست على التقوى، فليست هي مساجد الضرار التي يحارب منها الإسلام ببثِّ قيم لا دينية، والتي تستعمل منابرها في نشر الأفكار الهدامة.



فمساجد الرجال لا أغراض من ورائها إلا رضا الله جلَّ وعلا، فلا حزبية ولا طائفية ولا مغانم دنيوية ﴿وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)﴾ (الجن).



وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ورجل قلبه معلق بالمساجد.." أليس هذا الرجل أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. (من حديث أبي هريرة عند الشيخين).
ولا يزال هذا الينبوع الدافق في متناول كل مؤمن يريد زادًا للطريق، وريًّا في الهجير، ومددًا حين ينقطع المدد، ورصيدًا حين ينفد الرصيد.



ورسولكم صلى الله عليه وسلم كان إذا حزَّبه أمر فزع إلى الصلاة، رغم أنه الوثيق الصلة بربه.



وحتى في ساعاته الأخيرة لما وجد في نفسه خفةً؛ خرج إلى المسجد يهادي بين رجلين "يقول الراوي: كأني أنظر إلى رجليه تخطان من الوجع".. يقول قائلهم: "فاتتني الصلاة في الجماعة، فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة آلاف؛ لأن مصيبة الدين أهون عند الناس من مصيبة الدنيا".



الصفة الثانية: التعلق بالآخرة

قال تعالى: ﴿بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36)رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37)﴾ (النور).



فأولويات الرجال هي الدار الآخرة والإعداد لها؛ فهم يصلحون دنياهم وقلوبهم.. وأشواقهم هناك في الدار الآخرة.. ألسنتهم ذاكرة ونياتهم خالصة.. الرجال يعملون.. يجتهدون.. يربحون.. ليسوا عالةً على غيرهم.. فنعم المال الصالح للعبد الصالح.. ولكن قلوبهم لا تتعلق إلا بما عند الله.



لاحظ أخي تسبيح الرجال.. بالغدو والآصال.. إنها أذكار الصباح والمساء.. والمحافظة عليها من صفات الرجال.



الصفة الثالثة: التطهر من الأدران المادية والمعنوية

بل وجب ذلك والمواظبة عليه، وهناك ملاحظة مهمة هي قوله تعالى: ﴿فِيهِ﴾ أي في المساجد.. ففيها نتعلم الطهارة؛ لأنها شرطٌ في صحة الصلاة، وفي المساجد يتعلم الرجال طهارة القلوب؛ ففي الصلوات، وفي حِلق الذكر، وفي دروس العلم فرصة سانحة لعلاج أمراض القلوب.. فالرجل إذن يتعهد قلبه بالمتابعة، ولا يرضى بأدناس الأبدان ولا بنجاسات الثياب كذلك.



فالرجال أطهار القلوب.. أطهار الأبدان.. أطهار الثياب.. هذه صفتهم وهذه هيئتهم.



الرجال إذن قد يذنبون.. فهم بشر يخطئون كمثل البشر ولكن.. هم يستغفرون.. هم يرجعون.. هم يتوبون بل هم يحبون التطهر من الذنوب كلما أذنبوا.. وهم- يا لبشراهم- يحبهم مولاهم ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ (108)﴾ (التوبة).



الصفة الرابعة: الصدق

قال تعالى: ﴿مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)﴾ (الأحزاب).



فصدق الرجال هو صدق العهد مع الله؛ فإن الآية نزلت كما ورد في الصحيح في أنس بن النضر الذي غاب عن غزوة بدر، فقال: "لئن أشهدني الله قتالاً مع رسول الله؛ ليرين الله ما أصنع"، وكان هذا عهدًا صادقًا مع الله عز وجل، فقُتل يوم أحد وبه بضع وثمانون ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، وما عرفته إلا أخته ببنانه.



ومثله ذلك الأعرابي الذي أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم نصيبه من الغنائم في غزوة غزاها معه، فقال له: "ما على هذا بايعتك، إنما بايعتك على سهم يقذف هاهنا فألقى الله شهيدًا، فأدخل الجنة، وأشار بأصبعه إلى موضع في نحره، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن تصدق الله يصدقك"، وصنع الله به ما أراد، فيا له من رجل أصابه السهم حيث أشار بإصبعه.



وقبله كان إسماعيل عليه السلام.. صادق الوعد وكان رسولاً نبيًّا.. ألم يقل لأبيه إبراهيم يومًا: ﴿يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ (الصافات: من الآية 102)؟!، وصدق إسماعيل، ومرت السكين على نحره، فما جبن وما نكص على عقبيه.. فأنعِم به من رجل، إنه صدق الرجال!!.



الصفة الخامسة: الإيجابية

إنه الرجل الذي كان يكتم إيمانه، ولما استشعر الخطر على موسى عليه السلام.. نطق بالحق الذي عرفه وكتمه سنوات طويلة، فهذا وقت الصدع بالحق بشجاعة قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ﴾ (غافر: من الآية 28).



أليس "أفضل الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله"؟! صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.



إنه أيضًا مؤمن (يس) الذي قال يا قوم اتبعوا المرسلين.. خوفًا عليهم وحبًّا لهم.. فقتلوه؛ فما كان منه إلا أن قال بعد أن عاين نعيم الجنة ﴿يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (27) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ (28)﴾ (يس).



واسمع إلى ذلك الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى، والسعي يدل على السرعة والجدية؛ ليحذِّر قائده ورسوله موسى عليه السلام ﴿قَالَ يَامُوسَى إِنَّ المَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴾ (القصص: من الآية20).



فمن صفات الرجولة.. الإيجابية، واستشعار المسئولية، والجدية.. الرجل يحمل هموم أمته ودعوته، ولو ضحَّى بحياته، وبذل الغالي والرخيص من أجل نصرة الإسلام.. والرجل يعيش قضايا أمته.. وبنو قومه أحب إليه من نفسه التي بين جنبيه.



أخي الحبيب.. تُرى أتحتاج أمتنا في هذه الفترة الحرجة إلى رجال أم إلى ذكور؛ لتنهض من عثرتها؟!.



وختامًا.. فهذه كلمات قليلة أناشدك بعدها أن تراجع نفسك.. هل ترى نفسك في عداد الرجال؟.. إنْ كنت كذلك فهنيئًا لك بذلك.. وإن كنت فاقدًا لبعض الصفات فأسرع باستكمالها؛ فإن أمتك تحتاج إليك؛ فمن لها سواك؟!!.